www.daroukhoudoss.org

slt

samedi 20 août 2011

القواعد الفقهية للأستاذ شيخ أحمد بوصو








من إعداد
شيخ أحمد بن محمد الفاضل بوسو، الطوباوي








بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

1- تعريف القواعد الفقهية:
يعرف هذا الفن باعتبارين:
الاعتبار الأول: كونه مركبا:
- القاعدة في لغة العرب: الأساس، وقاعدة البيت أساسه؛ ومنه قوله تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: 127)".
واصطلاحا: "قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها".
- الفقه في اللغة: الفهم، يقال: فقه الرجل؛ إذا فهم. ومنه قوله تعالى: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" (الإسراء: من الآية: 44).
واصطلاحا: "معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد".
الاعتبار الثاني: كونه علما، ولقبا لهذا الفن:
اختلفت عبارات العلماء في تعريفها على أقوال، والمختار منها:
"حكم كلي فقهي يتعرف منه حكم الجزئيات الفقهية مباشرة في أكثر من باب".
2- فوائد دراسة القواعد الفقهية:
- تكوين الملكة الفقهية لدى طالب العلم، فيمكنه من معرفة سر الفقه، ومسائله.
- حفظ الفروع الفقهية، فالقواعد مثل المصباح يضيء ذاكرة طالب العلم.
- إدراك مقاصد الشريعة.
- إظهار رونق الفقه، حيث تبين أن للفقه ضوابط تضبطه، وليس مجرد مسائل منثورة لا يمكن حصرها.
قال القرافي: "وهذه القواعد مهمة في الفقه، وعظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف، وتتضح مناهج الفتوى وتعرف، ويظهر رونق الفقه ويكشف".
وقال السبكي: "إن دراسة القواعد أهم من دراسة الفروع إذا لم يتسع الوقت للجميع".
3- ميزة القواعد الفقهية، ومكانتها في الشريعة:
أ- أنها تمتاز بإيجاز عبارتها مع عموم معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية.
ب- أنها تمتاز بأن كلا منها ضابط يضبط فروع الأحكام العملية، ويربط بينها برابطة تجمعها، وإن اختلفت موضوعاتها وأبوابها.
ج- أنها قواعد كثيرة جدا غير محصورة بعدد، وهي منثورة في كتب الفقه العام، والفتاوى، والأحكام.
3- الفرق بين القواعد الفقهية، وغيرها:
من تمام التعريف؛ أن نعرف الفرق بين المعرَّف، وما يشابهه من الفنون؛ لأن مقصود التعريف هو التمييز.
ويضاف إلى الفقه من الفنون أربعة:
أ‌- أصول الفقه. ب- قواعد الفقه. ج- ضوابط الفقه. د- نظريات الفقه.
أولا: الفرق بين قواعد الفقه، وأصول الفقه:
هناك فروق كثيرة بينهما، نذكر منها أهمها:
- أن القاعدة الفقهية يعرف منها الحكم مباشرة، وأما القاعدة الأصولية فلا يعرف منها حكم المسألة الفقهية مباشرة.
- أن عمل القواعد الفقهية فيما يصدر من المكلفين من أقوال وأعمال، وأن عمل أصول الفقه في الأدلة الشرعية.
- أن العمل بأصول الفقه للمجتهدين، والعمل بقواعد الفقه للمفتين.
- أن أصول الفقه وسيلة لاستنباط الأحكام الفقهية، وأن قواعد الفقه وسيلة لحفظ الأحكام الفقهية.
- أن مباحث أصول الفقه أربعة؛ وهي: الأحكام، والأدلة، وكيفية الاستدلال، وحال المستفيد، ومباحث قواعد الفقه ليس فيها هذه المباحث.
ثانيا: الفرق بين قواعد الفقه، وضوابط الفقه:
الضابط الفقهي: حكم كلي تكون أحكامه الفرعية متعلقة بباب واحد.
وبعض علماء القواعد لا يفرقون بين القاعدة والضابط.
وأكثر علماء القواعد فرقوا بينهما؛ فقالوا:
1- إن القاعدة تدخل في أبواب متعددة، مثال ذلك: "الأمور بمقاصدها" نأخذ منها وجوب نية الصلاة في باب الصلاة، ونأخذ منها في البيع أن المقاصد معتبرة...
بينما الضابط الفقهي يكون خاصا بباب واحد، مثال ذلك: (لا تجب زكاتان في مال) فهذا ضابط متعلق بباب الزكاة فقط.
2- أن القاعدة الفقهية في الأغلب متفق على مضمونها بين المذاهب، أو أكثرها. وأما الضابط فهو يختص بمذهب معين، بل منه ما يكون وجهة نظر فقيه واحد في مذهب معين قد يخالفه فيه فقهاء آخرون من المذهب نفسه.
4- أقسام القواعد الفقهية:
تنقسم القواعد الفقهية إلى أقسام عديدة باعتبارات متعددة:
أ‌- باعتبار شمولها، واستقلالها:
تنقسم إلى قسمين:
- قواعد كلية؛ وهي التي لا تندرج تحت قاعدة أخرى، وإنما هي مستقلة بذاتها، وهي على ضربين:
== قواعد كلية كبرى؛ وهي القواعد الخمس المحصورة:
1- الأمور بمقاصدها. 2- المشقة تجلب التيسير. 3- اليقين لا يزول بالشك. 4- الضرر يزال-أو لا ضرر ولا ضرار. 5- العادة محكمة.
== قواعد كلية؛ وهي ما كانت دون القواعد الخمس الكبرى، مع استقلالها؛ كقاعدة: "الإيثار بالقرب مكروه".
- قواعد مندرجة؛ وهي القواعد التي تدخل تحت قواعد أخرى؛ كقاعدة: "الأصل بقاء ما كان على ما كان" فهي مندرجة تحت قاعدة: "اليقين لا يزول بالشك".
ب‌- تقسيمها باعتبار الصيغة:
- قواعد خبرية؛ أي: تصاغ بصيغة الخبر؛ إشارة إلى عدم وجود خلاف فيها؛ مثل: الضرر يزال.
- قواعد استفهامية؛ أي: تصاغ بصيغة الاستفهام؛ إشارة إلى وجود خلاف فيها؛ مثل: هل العبرة بصيغ العقود، أم بمعانيها؟
5- نماذج من المؤلفات في القواعد الفقهية:
أ- في المذهب الحنفي:
# أصول الكرخي (الأصول التي عليها مدار كتب أصحابنا). لأبي الحسن عبيد الله بن الحسن الكرخي (ت340هـ).
# تأسيس النظر. لعبيد الله بن عمر الدبوسي، (ت430هـ).
# الأشباه والنظائر. لابن نجيم الحنفي، (ت970هـ).
ب - في المذهب المالكي:
# الفروق (أنوار البروق في أنواء البروق) لأبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي (القرافي) (ت684هـ).
# القواعد. لأبي عبد الله محمد بن محمد المقري المالكي، (ت758هـ).
# إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك. لأحمد بن يحيى الونشريسي، (ت914هـ).
ج – في المذهب الشافعي:
# قواعد الأحكام في مصالح الأنام. للعز بن عبد السلام، (ت660هـ).
# الأشباه والنظائر. لابن الوكيل، (ت716هـ).
# المنثور في القواعد. لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، (ت794هـ).
# الأشباه والنظائر. للسيوطي، (ت911هـ).
د- في المذهب الحنبلي:
# القواعد النورانية الفقهية. لشيخ الإسلام بن تيمية، (ت728هـ).
# تقرير القواعد، وتحرير الفوائد. (القواعد). لابن رجب الحنبلي، (795هـ).
# خاتمة (مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام). لابن عبد الهادي، واشتهر أيضا بابن المبرد، (ت909هـ).
* * *

مفردات القاعدة:
اليقين: طمأنينة القلب على حقيقة الشيء. يقال: يقِن الماء في الحوض؛ إذا استقر فيه.
الشك في اللغة: التردد بين النقيضين دون ترجيح لأحدهما.
والشك عند الفقهاء: تردد الفعل بين الوقوع وعدمه.
وأما الشك في اصطلاح الأصوليين: فهو استواء طرفي الشيء، فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإن طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين. وإن لم يترجح فهو وهم.
معنى القاعدة:
أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك؛ لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتا وعدما.
دليل القاعدة:
أ- من القرآن الكريم:
قوله تعالى: "وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا" (يونس: 36).
ب- من السنة:
قوله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" رواه مسلم.
ج- من العقل:
أن اليقين أقوى من الشك؛ لأن في اليقين حكما قطعيا جازما فلا ينهدم بالشك.
مكانة القاعدة:
قال السيوطي: هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو أكثر.
أمثلة القاعدة:
= إذا ثبت دين على شخص، وشككنا في وفائه، فالدين باق.
= إذا وقع النكاح بين رجل وامرأة بعقد صحيح، ثم وقع الشك في الطلاق، فالنكاح باق.
= المتيقِّن للطهارة إذا شك في الحدث فهو متطهر عند الأئمة الثلاثة، خلافا للإمام مالك الذي يرى أنه يجب عليه الطهارة بناء على قاعدة تقول: "الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط".
* * *
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة: "اليقين لا يزول بالشك"
القاعدة الأولى: [الأصل بقاء ما كان على ما كان]
معنى القاعدة:
أن ما ثبت على الحال في الزمان الماضي –ثبوتا أو نفيا- يبقى على حاله، ولا يتغير ما لم يوجد دليل يغيره.
فروع هذه القاعدة:
= من تيقن الطهارة، وشك في الحدث فهو متطهر. أو تيقن الحدث، وشك في الطهارة فهو محدث.
= من أكل آخر النهار-بلا اجتهاد- وشك في الغروب، بطل صومه؛ لأن الأصل بقاء النهار. وأما من أكل آخر الليل، وشك في طلوع الفجر صح صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل.


القاعدة الثانية: [الأصل براءة الذمة]
مفردات القاعدة:
الذمة في اللغة: العهد والأمان.
والذمة عند الفقهاء: أهلية الإنسان لتحمل عهدة ما يجري بينه وبين غيره من العقود الشرعية أو التصرفات.
المعنى الفقهي للقاعدة:
القاعدة المستمرة أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وكونه مشغول الذمة خلاف الأصل.
فروع القاعدة:
= إذا ادَّعى رجل على بكر بالغة أن زوجها زوَّجها منه قبل استئذانها، فلما بلغها سكتت، وقالت: بل رددت. فالقول لها في الراجح؛ لأن الزوج يدعي سكوتها؛ ليتملك بضعها من غير ظاهر معه، وهي تنكر، والظاهر هو الاستمرار على الحالة المتيقنة، وهي عدم ورود الْمِلْك عليها الذي هو الأصل، فكانت متمسكة بالظاهر.
أما إن أقام الزوج البينة على سكوتها فيعمل بها.

القاعدة الثالثة: [ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين]
معنى القاعدة:
هذه القاعدة بيان للقاعدة الكبرى؛ لأن اليقين إذا لم يزل بالشك فهو يزول ويرتفع بيقين مثله.
فروع القاعدة:
= من عليه دين، وشك في قدره، لزمه إخراج القدر الـمُتيَقَّن به إبراء الذمة.
= لو شك أصلى ثلاثا أم أربعا؟ أتى برابعة.
القاعدة الرابعة: [الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته]
معنى القاعدة:
إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر-ولا بينة- ينسب هذا الأمر إلى أقرب الأوقات إلى الحال، ما لم يثبت نسبته إلى زمن أبعد؛ لأن وجود الحادث في الوقت الأقرب مُتَيَقَّن، وفي الأبعد مشكوك.
فروع القاعدة:
= من رأى في ثوبه منيا، ولم يذكر احتلاما، لزمه الغسل، تجب عليه إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومة نامها فيه.
= إذا ادَّعت الزوجة أن زوجها طلقها أثناء مرض الموت، وادَّعى الورثة أنه طلقها في حال صحته، فالقول للزوجة؛ لأن الأمر الحادث المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلاق، فيجب أن يضاف إلى الزمن الأقرب ، وهو مرض الموت.
القاعدة الخامسة: [هل الأصل في الأشياء الإباحة؟]
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الأصل في الأشياء الإباحة. وهو قول الجمهور.
ومن أدلتهم:
أ‌- قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا" (البقرة:29).
ب‌- قوله تعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الأعراف: 32)".
ت‌- قوله-صلى الله عليه وسلم-: "أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته".
أ‌- أن الانتفاع بالمباح انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك-وهو الله عز وجل- قطعا، ولا على المنتفع، فوجب أن لا يمتنع.
القول الثاني: الأصل في الأشياء الحظر. وبه قال بعض الشافعية والحنفية، وبعض المعتزلة.
ومن أدلتهم:
أ‌- قوله تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ" (النحل: 116).
ووجه الدلالة من الآية: أن التحليل والتحريم ليس إلينا، وإنما إلى الله تعالى.
وأجيب عن ذلك بأن القائلين بالإباحة لم يقولوا بذلك من جهة أنفسهم، بل استدلوا بدليل من الكتاب والسنة.
ب‌- أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، والقول بالإباحة دون دليل تصرف في ملك الله بغير إذنه، وهذا باطل.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن ذلك بالنسبة للعباد؛ لأنهم يصيبهم الضرر عند التصرف في أملاكهم بغير إذنهم، وأما بالنسبة لله عز وجل فذلك غير وارد.
القول الثالث: الوقف. وبه قال بعض الحنفية، وأبو الحسن الأشعري، وأبو بكر الصيرفي.
ودليلهم:
أن الأدلة تعارضت فلم يترجح واحد منها.
ويظهر أثر هذا الخلاف فيما أشكل حاله من الحيوانات، والنباتات، والأطعمة، والأشربة...التي لم يدل دليل على تحريمها، أو تحليلها، ولا كان يضر مستعمله.
القاعدة السادسة: [الأصل في الأبضاع التحريم].
مفردات القاعدة:
الأبضاع: جمع بُضْع؛ وهو الفرج-كناية عن النساء والنكاح-.
معنى القاعدة:
أن الأصل في النكاح الحرمة، وأبيح لضرورة حفظ النسل ولذلك لم يُبِحْه الله-سبحانه وتعالى- إلا بإحدى طريقتين: هما العقد، وملك اليمين، وما عداهما فهو محظور.
فروع القاعدة:
= امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة -بنسب أو رضاع- بنسوة قرية محصورات؛ لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه، وإنما جاز النكاح في غير صورة المحصورات رخصة من الله؛ لئلا ينسد باب النكاح.
القاعدة السابعة: [لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح].
مفردات القاعدة:
العبرة: الاعتداد.
الدلالة: المراد بها هنا غير اللفظ من حال أو إشارة أو عرف أو يد أو غير ذلك.
الصريح عند العلماء: ما كان المراد منه ظاهرا ظهورا بينا نطقا أو كتابة.
معنى القاعدة:
أن التصريح بالمراد أقوى من الدلالة، فإذا تعارضا-أي: الصريح والدلالة- فلا عمل للدلالة ولا اعتداد بها، وأما عند عدم التعارض فيعمل بالدلالة لأنها في حكم التصريح وقوته، وهذا في المواضع التي جعلوا النطق السكوت.
فروع القاعدة:
= الأمين له السفر بالوديعة دلالة، فأما إذا نهاه المودع عن السفر بها صراحة فليس له السفر بها؛ لأن التصريح أقوى من الدلالة.
= لو تُصُدِّق على إنسان فسكت الـمُتصدَّق عليه يثبت له الملك، ولا حاجة إلى قوله: قبلت. لكن لو صرح بالرد والرفض لا يملك؛ لأن الصريح أقوى من الدلالة.
القاعدة الثامنة: [لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان].
معنى القاعدة:
تشتمل هذه القاعدة على فقرتين:
الفقرة الأولى: (لا ينسب إلى ساكت قول) تفيد أن الشرع حيث ربط معاملات الناس بالعبارات الدالة على المقاصد، فما جعل للسكوت حكما ينبني عليه شيء كما تبنى عليه الأحكام على الألفاظ.
الفقرة الثانية: (ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان) أفادت أن السكوت في حكم النطق، وذلك في كل موضع تمس الحاجة فيه إلى البيان.
فروع الفقرة الأولى:
= إذا سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم سكوتها مقام الإذن قطعا.
= لو أتلف شخص مال آخر وصاحب المال يشاهد وهو ساكت، لا يكون سكوته إذنا بالإتلاف، بل له أن يضَمِّنه.
فروع الفقرة الثانية:
= سكوت البكر عند استئمار وليها قبل التزويج يعد قبولا.
= سكوت المتصدَّق عليه يعتبر قبولا.
القاعدة التاسعة: [لا عبرة بالتوهم].
مفردات القاعدة:
التوهم: التخيل والتمثُّل في الذهن، وهو أدنى درجة من الظن أو الشك.
معنى القاعدة:
لا يثبت حكم شرعي استنادا إلى وهم، كما لا يجوز تأخير الشيء الثابت بصورة قطعية بوهم طارئ.
فروع القاعدة:
= لو اشتبهت عليه القبلة فصلى إلى جهة بدون تَحَرٍّ ولا اجتهاد، لا تصح صلاته؛ لابتنائها على مجرد الوهم.
القاعدة العاشرة: [لا عبرة بالظن البَيِّن خطؤه].
مفردات القاعدة:
الظن: إدراك الاحتمال الراجح الذي ظهر رجحانه على نقيضه بدليل معتبر.
معنى القاعدة:
إذا بُنِيَ فعل من حكم أو استحقاق على ظن ثم تبين خطأ ذلك الظن فيجب عدم اعتبار ذلك الفعل أو إلغاؤه.
فروع القاعدة:
= المجتهد في المسائل الظنية إذا عرض له استنباط أو دليل آخر أقوى فيجب عليه الرجوع عن قوله الأول إلى ذلك القول الآخر؛ لأن القول الأول ثبت أنه كان مبنيا على ظن خاطئ.
= لو ظن أنه متطهر فصلى، ثم تبين له الحدث، أو ظن دخول الوقت، فصلى، ثم تبين أنه صلى قبل الوقت، أو ظن طهارة الماء، فتوضأ به، ثم تبين أنه نجس، ففي ذلك كله لا اعتداد بظنه؛ لأنه ظن تبين خطؤه.
* * *

مفردات القاعدة:
الأمور: جمع أمر بمعنى الحال، والشأن، وهو المراد بالقاعدة، ومنه قوله تعالى: "وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ" (هود: 97).
ويأتي الأمر بمعنى الطلب، ويجمع على أوامر.
الباء: هنا للمصاحبة.
المقاصد: جمع مقصد؛ وهو الإرادة، والنية، والتوجه.
المعنى الإجمالي:
أن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية، أو فعلية تختلف باختلاف نتائجها، وأحكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص وغايته، وهدفه، من وراء تلك الأعمال، والتصرفات. والحكم الذي يترتب على أمر يكون موافقا ومطابقا لما هو المقصود من ذلك الأمر.
أدلة القاعدة:
- قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ" (البينة: 5).
- قال النبي : (إنما الأعمال بالنيات) رواه البخاري.
- قوله : "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك" رواه البخاري.
- الإجماع: قد نقل السيوطي، وأبو نجيم، وأئمة الإسلام على هذه القاعدة، لكنهم قد يختلفون في جزئيات منها.
أمثلة القاعدة:
- من التقط لقطة بقصد أخذها لنفسه كان غاصبا عليه ضمانها إذا تلفت في يده، ولو التقطها بنية حفظها، وتعريفها، وردها لصاحبها متى ظهر كان أمينا، فلا يضمنها إذا هلكت بلا تعد منه عليها، أو تقصير في حقها.
- من قال لغيره: خذ هذه الدراهم، فإن نوى التبرع كان هبة، وإلا كان قرضا واجب الإعادة، أو أمانة وجب عليه حفظها، وإلا كان ضامنا.
أهمية القاعدة:
تتجلى أهمية القاعدة فيما يلي:
أولا: أن هذه القاعدة من القواعد الخمس الكبرى، وإنما أفردها العلماء بالذكر؛ لأهميتها.
ثانيا: أن العلماء مجمعون عليها، وإجماعهم دليل على أهميتها.
ثالثا: أن أهمية هذه القاعدة تؤخذ من أهمية الحديث الذي استندت إليه، وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
لم لا يستغنى عن لفظ القاعدة بلفظ الحديث؟
الجواب من وجهين:
1- أن كلمة النيات مصطلح يراد به في الشرع –غالبا- ما يتعلق بالعبادات، والقرب. وأما القصد فيكون متعلقا بما هو عبادة، وبما هو عادة، ومنها المعاملات؛ فيكون اختيار كلمة "مقاصد؛ ليحصل الشمول.
2- أن "الأمور" أظهر في الدلالة على عموم الأقوال والأفعال من كلمة الأعمال.
مباحث النية:
تعريف النية:
النية في اللغة: القصد، والعزم على الشيء.
وفي الشرع: انبعاث القلب تجاه الفعل تقربا لله .
أنواع النية:
أ‌- نية المعمول له، هل هو لله ؟ أو هو للناس، ونحو ذلك؟.
ب‌- نية العمل الذي يراد فعله.
والأعمال على قسمين:
1- العادات؛ وهي عند الفقهاء ما تكون مصلحتها دنيوية؛ كالبيع. فهذه لا تشترط لصحتها نية العمل.
2- العبادات؛ وهي ما كانت مصلحتها العظمى أخروية؛ لأنه قد تكون عبادات فيها مصالح دنيوية.
وهذه العبادات تنقسم على قسمين:
الأول: عبادات محضة؛ وهي التي تقصد لذاتها، وليست وسيلة إلى غيرها. وهي على نوعين:
أ‌- عبادات لا تلتبس بغيرها، فلا يوجد ما يشابهها لا في العبادات، ولا في العادات؛ كالإيمان بالله، والأذان، والصلاة على النبي .
وهذه لا يشترط لها تية تعيين العمل؛ لأنها متعينة بذاتها.
ب‌- عبادات تلتبس بغيرها، فيوجد ما يشابهها إما في العادات، وإما في العبادات؛ مثل: الصلاة؛ فإنها قد تكون فريضة، وقد تكون نافلة، وقد تكون الظهر، وقد تكون غيرها. وكذلك الصوم قد يكون عادة؛ كإنقاص الوزن، وقد يكون عبادة إذا كان تقربا لله .
وهذه يشترط لها تعيين العمل.
الثاني: عبادات ليست محضة؛ وهي العبادات التي تراد لغيرها. وهي على نوعين:
أ‌- عبادات مترددة؛ والمقصود بها الوسائل التي تشترط لصحة العبادة التي يتوصل بها إليها؛ مثل الوضوء، والغسل، فهما وسيلتان لصحة الصلاة.
وهذا النوع يشترط لصحتها نية التعيين عند الجمهور، وهو الصحيح.
ب‌- عبادات ليست مترددة؛ وهي الوسائل التي لا تشترط لصحة العبادة التي يتوصل بها إليها؛ كالمشي إلى المسجد، فهو وسيلة إلى صلاة الجماعة.
وهذا النوع لا يشترط لصحتها نية التعيين.
محل النية:
اتفق العلماء على أن محل النية القلب.
قال ابن كثير: "وأجمعوا على أن النية محلها القلب".
الحكمة من النية:
1- تمييز المعمول له؛ لأن العمل قد يكون لله، وقد يكون للدنيا، وقد يكون للرياء، والمميز لهذا كله هو النية.
مثال ذلك: ثلاثة أشخاص دخلوا في مسجد واحد، وفي صلاة واحدة، أحدهم يصلي لغرض من أغراض الدنيا، والآخر يريد الثناء من الناس، والثالث يريد بها تقربا إلى الله ، فالعمل واحد، لكن النية مختلفة.
2- تمييز العبادة عن العادة؛ كالغسل.
3- تمييز العبادة عن العبادة؛ مثل: صلاة الظهر، والعصر.
4- تمييز رتب العبادات؛ مثل: الفرض، والنفل؛ كالصيام في شوال قد يكون قضاء، وقد يكون نفلا.
شروط صحة النية:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- التمييز، وهو القوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني.
4- العلم بالمنوي، معناه: أن يعلم المكلف حكم ما نواه من فرض أو نفل، عبادة أو غيرها.
5- عدم المنافي بين النية والمنوي، والمراد بذلك العمل الخارج عن المنوي، وليس من النية، كمن ارتد بعد نية العبادة فقد بطلت عبادته.
6- مقارنة النية للعمل.
* * *
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة: "الأمور بمقاصدها"
القاعدة الأولى: [العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني]
مفردات القاعدة:
العبرة: الاعتداد.
العقود: جمع عقد، وهو ارتباط الإيجاب بالقبول؛ كعقد البيع.
اللفظ: هو الكلام الذي ينطق به الإنسان بقصد التعبير عن ضميره وما في نفسه.
المقاصد: جمع مقصد، معناه نية المتكلم.
المعاني: جمع معنى، وهو الصورة الذهنية التي دل عليها القول أو الفعل.
معنى القاعدة:
أنه عند حصول العقد لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان، وإنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد؛ لأن المقصود الحقيقي هو المعنى، وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة؛ لأن الألفاظ ما هي إلا قوالب للمعاني.
مسائل القاعدة:
= لو اشترى شخص من بائع سلعة، وقال له: خذ هذا السيف أمانة عندك حتى أحضر لك الثمن، فالثمن يعتبر رهنا، وله حكم الرهن، ولا يكون أمانة؛ لأن الأمانة يحق للمؤتمن استرجاعها وقتما يشاء، ويجب على الأمين إعادتها.
القاعدة الثانية: [هل النية تخصص اللفظ العام أو تعمم اللفظ الخاص؟]
معاني المفردات:
العام: اللفظ المستغرق لما يصلح له-بحسب الوضع- دفعة واحدة من غير حصر.
الخاص: قصر العام على بعض أفراده.
معنى القاعدة:
أن تخصيص اللفظ العام في اليمين بالنية متفق عليه بين المذاهب- وإن كان جمهور الحنفية يعتبرونه ديانة لا قضاء-، وأما تعميم الخاص بالنية فأجازه المالكية والحنابلة، ومنعه الشافعي وجمهور الحنفية.
فروع القاعدة: (مثال الشطر الأول)
= من حلف لا يكلم أحدا، ثم قال: نويت محمدا فقط. فعند المالكية والحنابلة والشافعية والخصاف من الحنفية لا يحنث لو كلم غير محمد، إذ لفظ "أحدا" عام، ولكن حينما قال: نويت محمدا فقط، أعملت نيته فخص عدم التكلم به، وجاز أن يكلم غير محمد ولا يحنث.
وأما عند غير جمهور الحنفية فهو يحنث قضاء وعليه الكفارة، ويُدَّيَّن بينه وبين الله تعالى.
(مثال الشطر الثاني):
= لو حلف لا يشرب من ماء فلان من عطش، فعند الشافعية والحنفية أنه لا يحنث بطعامه أو شرابه؛ لأن اليمين انعقدت على الماء خاصة.
وأما عند المالكية والحنابلة فهو يحنث بتناول أي شيء يملكه المحلوف عليه.
ما يستثنى من هذه القاعدة:
1- [من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه]
مضمون القاعدة: أن من يتوسل بالوسائل غير المشروعة تعجلا منه للحصول على مقصوده المستحق له؛ فإن الشرع عامله بضد مقصوده، فأوجب حرمانه جزاء فعله واستعجاله.
مثال القاعدة:
= إذا قتل الوارث مورثه عمدا مستعجلا الإرث؛ فإنه يحرم من الميراث.
2- [الإيثار في القُرَب مكروه، وفي غيرها محبوب]
قال عز الدين بن عبد السلام: لا إيثار في القربات، فلا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة، ولا بالصف الأول؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال لله تعالى، فمن آثر به غيره فقد ترك إجلال الإله وتعظيمه، فيصير بمثابة من أمره سيده بأمر فتركه، وقال لغيره: قم به؛ فإن هذا يستقبح عند الناس بتباعده من إجلال الآمر.
* * *

مفردات القاعدة:
المشقة: التعب، من شق عليك الشيء إذا أتعبك.
التيسير: السهولة والليونة.
معنى القاعدة:
أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه وماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج.
دليل القاعدة:
أ- من القرآن الكريم:
- قوله تعالى: " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: 185).
- قوله تعالى: " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286).
ب- من السنة:
قوله-صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" [رواه البخاري ومسلم].
أمثلة القاعدة:
- إباحة الشارع النظر إلى الأجنبية للطبيب، والشاهد، وعند الخِطبة.
- إباحة أربع نسوة تيسيرا على الرجل، وعلى النساء لكثرتهن.
- مشروعية الطلاق لما في إبقاء الزوجية مع التنافر من المشقة.
* * *
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"
القاعدة الأولى: [إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق].
معنى القاعدة:
إذا ظهرت مشقة في أمر فيرخص فيه ويوسع، فإذا زالت المشقة عاد الأمر إلى ما كان.
دليل القاعدة:
قوله تعالى: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" (النساء: 101-102).
فروع القاعدة:
= إباحة أكل الميتة للمضطر، أو أكل مال الغير-على أن يضمنه- حفظا للحياة.
= المدين إذا كان معسرا، ولا كفيل له يترك إلى وقت الميسرة، وإذا لم يقدر على إيفاء الدين جملة يساعد على تأديته مقسطا.
القاعدة الثانية: [الضرورات تبيح المحظورات].
مفردات القاعدة:
الضرورات: جمع ضرورة؛ وهي الحاجة الشديدة.
المحظورات: جمع محظورة، وهي الحرام المنهي عن فعله.
معنى القاعدة:
أن الممنوع شرعا يباح عند الحاجة الشديدة-وهي الضرورة-.
دليل القاعدة:
قوله تعالى: "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ" (الأنعام: 119).
فروع القاعدة:
= أخذ رب الدين من مال المدين الممتنع من أداء الدين بغير إذنه إذا ظفر بجنس حقه.
= جواز دفع الصائل ولو أدى ذلك إلى قتله إن لم يمكن الدفع بدونه.
القاعدة الثالثة: [ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها].
أو [الضرورات تقدر بقدرها]
معنى القاعدة:
تعتبر هذه القاعدة قيدا لسابقتها؛ أي: أن كل فعل أو ترك جُوِّز للضرورة فلا يتجاوز عنها.
فروع القاعدة:
= الطبيب ينظر من العورة بقدر الحاجة للمعالجة.
= إذا أحدث رجل في بنائه نافذة تُطِِلُّ على مقَرِّ نساء جاره لا يؤمر بهدم الحائط شد نافذته كليا، بل يؤمر بقدر ما يرفع الضرر عن جاره بصورة تمنع النظر.
القاعدة الرابعة: [ما جاز لعذر بطل بزواله].
معنى القاعدة:
أن ما قام على الضرورة يزول بزوال هذه الضرورة؛ لأن جوازها لما كان لعذر فهو خَلَف عن الأصل المتعذر، فإذا زال العذر أمكن العمل بالأصل.
فروع القاعدة:
= العاري إذا وجد ثوبا يستر به عورته لزمه ذلك.
= من لبس الحرير بسبب جرب يجب عليه خلعه إذا زال الجرب.
القاعدة الخامسة: [الاضطرار لا يبطل حق الغير].
معنى القاعدة:
أن الاضطرار وإن كان في بعض المواضع يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة؛ كأكل الميتة، وفي بعضها يقتضي الترخيص في فعله مع بقاء حرمته؛ ككلمة الكفر، إلا أنه على كل حال لا يبطل حق الآخرين، وإلا كان من قبيل إزالة الضرر بالضرر وهذا غير جائز.
فروع القاعدة:
= لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره؛ ليخففها ضمنه.
القاعدة السادسة: [إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل].
معنى القاعدة:
المراد بالأصل هنا ما يجب أداؤه –العزيمة- ولكن إذا شق على المكلف، ولم يمكنه إيفاء الأصل بالفوات، ينتقل الحكم إلى البدل-الرخصة-.
دليل القاعدة: قوله تعالى: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة: 238-239).
فروع القاعدة:
= يذبح الصيد إذا استأنس. ويكفي جرح نَعَم توحش، أو سقط في بئر لم يمكن ذبحه؛ لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار.
* * *

مفردات القاعدة:
الضرر: إلحاق مفسدة بالغير مطلقا.
الضرار: إلحاق مفسدة بالغير على جهة المقابلة.
دليل القاعدة:
هذه القاعدة نص حديث نبوي( ).
معنى القاعدة:
أن نص هذه القاعدة ينفي الضرر، فيوجب منعه، وتحريمه مطلقا، ويشمل ذلك: الضرر العام والخاص، وأيضا: دفع الضرر قبل وقوعه بطرق الوقاية الممكنة. ما يشمل أيضا رفعه بعد وقوعه بما أمكن من التدابير التي تزيل آثاره تمنع تكراره.
فروع هذه القاعدة:
= لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع، تبقى في يد المستأجر بأجرة المثل حتى يستحصد؛ منعا لضرر المستأجر قبل أوانه.
= لو باع ثمر نخل والمشتري إذا ارتقى؛ ليقطع الثمر يطلع على عورات الجيران يؤمر بأن يخبرهم وقت الارتقاء؛ ليستتروا مرة أو مرتين، فإن فعل وإلا رفع إلى الحاكم ليمنعه من الارتقاء.
* * *
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار".
القاعدة الأولى: [الضرر يدفع بقدر الإمكان].
معنى القاعدة:
أن الضرر يدفع شرعا، فإن أمكن دفعه بدون ضرر أصلا، وإلا فيتوسل لدفعه بالقدر الممكن.
فروع القاعدة:
= شرع الجهاد لدفع شر الأعداء.
= لو امتنع الأب من الإنفاق على ولده العاجز يحبس لدفع ضرر الهلاك عن الولد.
القاعدة الثانية: [الضرر لا يزال بمثله].
معنى القاعدة:
تعد هذه القاعد قيدا لسابقتها؛ لأن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فلا يكون بإحداث ضرر مثله، ولا بأكثر منه بطريق الأولى.
فالشرط إذا أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن، وإلا فبأخف منه.
فروع القاعدة:
= لا يجوز لإنسان محتاج إلى دفع الهلاك جوعا عن نفسه أن يأخذ مال محتاج مثله.
= لا يجوز لمن أكره بالقتل على القتل أن قتل إذا كان المراد قتله مسلما بغير وجه حق؛ لأن هذا إزالة ضرر بمثله.
القاعدة الثالثة: [الضرر يزال]
معنى القاعدة:
تفيد هذه القاعدة وجوب إزالة الضرر ورفعه بعد وقوعه.
فروع القاعدة:
= إذا سلط إنسان ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين، فإنه يزال.
= إذا طالت أغصان شجر لشخص، وتدلت على دار غيره، فأضرته، يكلف برفعها، أو قطعها.
القاعدة الرابعة: [الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف].
معنى القاعدة:
أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الضرر الأخف، ولا يرتكب الأشد.
فروع القاعدة:
= جاز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين إذا كانت حياته ترجى.
= لو ابتلعت دجاجة شخص لؤلؤة ثمينة لغيره، فلصاحب اللؤلؤة أن يتملك الدجاجة بقيمتها؛ ليذبحها.
القاعدة الخامسة: [يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام].
معنى القاعدة:
تعتبر هذه القاعدة قيدا لقاعدة: [الضرر لا يزال بمثله]، فالشرع إنما جاء؛ ليحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل تأييد مقاصد الشريعة يدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخص.
فروع القاعدة:
= جواز الحجر على الطبيب الجاهل حرصا على أرواح الناس.
= جاز الحجر على المفتي الماجن حرصا على دين الناس.
= وجوب هدم حائط مال إلى طريق العامة.
القاعدة السادسة: [درء المفاسد أولى من جلب المصالح].
مفردات القاعدة:
الدرء: الدفع والإزالة.
معنى القاعدة:
إذا تعارضت مفسدة ومصلحة، فدفع المفسدة مقدم في الغالب، إلا أن تكون المفسدة مغلوبة؛ وذلك لأن اعتناء الشرع بترك المنهيات اشد من اعتنائه بفعل المأمورات، لما يترتب على المناهي من الضرر المنافي لحكمة الشارع في النهي.
دليل القاعدة:
قوله تعالى: "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ". (الأنعام: 108).
فروع القاعدة:
= منع التجارة في المحرمات من خمر، ومخدرات، ولو أن فيها أرباحا ومنافع اقتصادية.
= لو اختلطت زوجته بغيرها فليس له الوطء ولا بالاجتهاد، حتى يستيقن.
* * *


مفردات القاعدة:
العادة في اللغة: مأخوذة من العود بمعنى التكرار.
وفي الاصطلاح: ما استقر في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول.
معنى القاعدة:
أن العادة تجعل حَكَمًا لإثبات حكم شرعي؛
أي أن للعادة في نظر الشارع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات، فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقضي به العادة أو العرف: إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة.
دليل القاعدة:
- قوله تعالى: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". (البقرة: 233).
- قوله تعالى: "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ". (البقرة: 241).
- قوله-صلى الله عليه وسلم- لهند زوجة أبي سفيان-رضي الله عنهما-: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه البخاري.
متى تكون العادة حجة؟
تعد العادة حجة عند عدم مخالفتها لنص شرعي، أو شرط لأحد المتعاقدَيْن.
فروع القاعدة:
= إذا حلف إنسان أن لا يضع قدمه في دار فلان-فهو يحنث ولو دخلها محمولا وبقيت قدمه خارجها- ولا يحنث لو وضع قدمه فيها وبقي هو خارجها؛ لأن المراد بوضع القدم عند الجميع هو الدخول وليس مجرد وضع قدم.
= اعتياد بعض الناس عند بيع الأشياء الثقيلة أن تكون حمولتها إلى مكان المشتري على البائع.
= تعارف الناس تقديم الأجرة قبل استيفاء المنفعة في إجارة الأماكن شهريا أو سنويا.
= لو قال شخص لآخر: اشتر لي سيارة بأربعة آلاف، ولم يعين النقود هنا، فيلزم الوكيل أن يشتري بالعملة المتعارف عليها هنا عند الإطلاق في ذلك البلد.
* * *
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة: "العادة محكمة"
القاعدة الأولى: [استعمال الناس حجة يجب العمل بها]
معنى القاعدة:
أن عادة الناس-إذا لم تكن مخالفة للشرع- حجة ودليل يجب العمل بموجبها؛ لأن العادة محكمة.
فروع القاعدة:
= لو استأجر أجيرا يعمل له مدة معينة، حمل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره، بغير خلاف، إلا إذا نص في العقد على زمن مخصوص.
القاعدة الثانية: [العبرة للغالب الشائع لا للنادر]
[إنما تعتبر العادة إذا اطردت، أو غلبت].
المراد باطراد العرف هنا: أن يكون العمل به مستمرا في جميع الأوقات والحوادث، بحيث لا يتخلف إلا بالنص على خلافه. ومعنى ذلك أن تكون العادة كلية.
المراد بالغلبة: أن يكون جريان أهله عليه حاصلا في أكثر الحوادث، أو أكثر الناس.
المراد بالشيوع: اشتهار العمل بذلك العرف وانتشاره بين الناس، وأما إذا كان العرف خاصا فلا يعتد به في الأصح في تخصيص النص أو الأثر، فأولى بذلك العرف النادر استعماله.
القاعدة الثالثة: [لا عبرة بالعرف الطارئ].
مفردات القاعدة:
الطارئ: الجديد.
معنى القاعدة:
تعبر هذه القاعدة عن شرط من شروط اعتبار العرف، وهو كونه سابقا للحكم في الوجود لا تاليا له متأخرا عنه، وأن يحمل الحكم على العرف الموجود وقت التلفظ.
فروع القاعدة:
= لفظ: "في سبيل الله" ولفظ: "ابن السبيل" من آية مصارف الزكاة لها معنى عرفي إذ ذاك، وهو مصالح الجهاد الشرعي، أو سبل الخيرات في الأول، ومن ينقطع من الناس في السفر-في الثاني-، فلو تبدل عرف الناس في شيء من هذه التعابير، فأصبح سبيل الله معناه طلب العلم خاصة، وابن السبيل الطفل اللقيط مثلا؛ فإن النص الشرعي يبقى محمولا على معناه العرفي الأول عند صدوره، ومعمولا به في حدود ذلك المعنى لا غير، ولا عبرة للمعاني العرفية أو الاصطلاحية الطارئة.
القاعدة الرابعة: [الحقيقة تترك بدلالة العادة].
مفردات القاعدة:
الحقيقة: المراد بها: دلالة اللفظ في أصل وضع اللغة.
معنى القاعدة:
أن دلالة اللفظ الحقيقية تترك ولا تعتبر إذا دل العرف والعادة على استعمال هذه اللفظة استعمالا مغايرا لمعناها الحقيقي، ويبنى الحكم على المعنى الذي دل عليه العرف والعادة.
فروع القاعدة:
= صيغ الماضي في العقود؛ كـ: بعت واشتريت يتم العقد بها-وإن كانت للماضي وضعا-؛ لأنها جعلت إيجابا للحال في عرف أهل اللغة والشرع.
القاعدة الخامسة: [الكتاب كالخطاب].
معنى القاعدة:
أن كل كتاب يحرر على الوجه المتعارف بين الناس يكون حجة على كاتبه؛ كالنطق باللسان.
شروط الكتابة المقبولة:
1- أن تكون واضحة الخط.
2- أن تكون مُعَنْوَنَة بأن كانت على الرسم المعتاد.
القاعدة السادسة: [الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان].
معنى القاعدة:
أن إشارة الأخرس المعهودة منه؛ كالإشارة باليد، أو بالعين، أو الحاجب تعتبر كبيان الناطق في بناء الأحكام عليها.
فيم تعتبر إشارة الأخرس؟
تعتبر إشارته في كل تصرفاته معاملاته؛ من: نكاح، وطلاق، وبيع، وشراء، وهبة...
القاعدة السابعة: [المعروف عرفا كالمشروط شرطا].
معنى القاعدة:
أن ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم-وإن لم يذكر صريحا- هو قائم مقام الشرط في الالتزام والتقييد.
فروع القاعدة:
= أن نفقة الزوجة على زوجها يكون بالقدر المتعارف المعتاد بين أمثالها من الناس، وبحسب حالهما غنى وفقرا.
= من اشترى سيارة دخل فها عُدَّتَها ومفاتيحها...بدون ذكر في العقد للعرف المتداول والعادة الجارية، إلا إذا نص على خلافه.
* * *
هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وسلم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire